الأربعاء، 20 أبريل 2011

شاي الرؤى

علمتني والدتي منذ بواكير عهدي بهذه الحياة أن الاحتفاء بالزمن والطبيعة هو من مقاصد توزيع الصلوات على كامل اليوم، وأن التعامل العلمي الجاف مع الظواهر الطبيعية غير كاف لوحده للامساك بعطاءاتها و إحالتها، وإأنه لغبنٌ للإنسان أن لا يتوقف مطولا عند مختلف صفحات سفر الجمال الكوني من حوله، وأن لا يعلن مهرجانا للحواس، و أن لا تتعالى في اللحظة ذاتها من شغاف القلب وتلا فيف الدماغ تسابيح لله الجميل محب الجمال ف «الجمال عبادة، والأرض مزدحمة بالكافرين» للأسف الشديد
وها إن الوالدة الكريمة تنصرف من أداء سنة الضحى، وتقبل علي باسمه المحيَا، وتضع بين يدي طبقا، وتبادرني بالقول:
لقد مضى من الضحى أغلبه، ولازلت منكبا على الكتاب الذي بين يديك منذ الفجر. فهل تراك عدلت عن الخروج إلى البراري و الأحراش، وتنازلت عن نصيبك من التمتع بجمال الطبيعة البكر؟ وعهدي بك عاقدا العزم على الخروج بمجرد أن تفتح الشمس آخر نوافذها.
- لا يا أماه ، فلئن كنت أشاطر إلى حد كبير نيتشه الرأي في قوله: « إن أعظم اللذات هي اعتلاء صارية المعرفة، والاتقاد بلهب يتلوه لهب»
و أعتبر أن وحدها المعرفة التي تفرق بين الرؤوس، فإنني مصرَ على أن أظل طوال حياتي مغموسا في الجمال، و رافضا العيش في هذا العالم بسذاجة وبلادة حس ووجدان، معتبرا أن ذلك بعض نصيبي الذي أنا مسؤول عن أي تفريط فيه، و لن أسمح للذين يريدون الاستئثار بكل شيء ايجابي من دون الناس منازعتي، وسلبي حقي منه، على درب السعي لأفضل حياة « وأبتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة و لا تنس نصيبك من الدنيا» .ولذلك فإنني عازم على أن أسبق الزوال إلى حيث كان في نيتي الذهاب.
سكبت في أحد الأكواب شايا ساخنا يتصاعد بخاره، وغمست فيه شريحة ليمون ودفعت به إلى يمناي قائلة: لعل هذا ينعشك، و يوقظ حواسك، ويطرد عنك مغالبات النعاس.
- سلمت يداك.
رفعت الكوب إلى شفتي، فحجبت سحابة من الضباب الرؤية عن عيني، و لامست بشرة وجهي أنفاس رقيقة لم أتبين في البداية مصدرها. ثم بدأت شيئا فشيئا أتبين ملامح صاحبة هذه الأنفاس الرقيقة الناعمة...إنها فتاة ذات ملامح اسياوية بصدد قطف أوراق شجيرات الشاي وترمي بها في كيس كبير خلف ظهرها. وتلاعب نسائم آخر غشي أطراف جدائل شعرها الفاحم المطلة من جوانب خمار ذي ألوان زاهية، وما انفكت عن الالتفات من حين لآخر نحوى باسمة الثغر، مشرقة العينين اللتين فيهما حور، يعاجلها الحياء فتسبل جفنيها، وتتفتح أكمام ورود وجنتيها مع بوادر بسمة جذلى على شفتين قرمزيتين، و إني لأراها تنتقل بحركات رشيقة في دروب الحقل متلقية تحايا النباتات من حولها، ومصغية لهمس النسغ المتدفق بعد قطف أوراق شجيرات الشاي. ولم يفتني أن أسجل تمايل أوراق الشاى، فرحة أن تكون نهايتها بين يدى حسناء، مفاخرة بذلك مثيلاتها النابتة على مصطبات الجزر اليابانية حيث تتولى قطفها آلات صماء خلو من دفء المشاعر الإنسانية، وبعيدا عن حسن الأنوثة وحيائها الشرقي اللذيذ.
وعلى إثر بلوغ رجع صدى آذان المغرب الآتي من بعيد، تتوقف الفتاة رافعة هامتها، وتمد بصرها إلى الأفق إلى حيث تمتد حقول الشاي مندمجة مع شقائق النعمان التي نثرتها شمس الأصيل في غيبتها وتخضب بها المدى.
و ترسل الفتاة أنفاسها الدافئة، تعبيرا عن تعب نهار طويل، فأجد أثرها على صفحة وجهي. وتفد إذاك على دماغي رسائل من البصيلات الذوقية في لساني معلنة عن طعم حموضة لا أتبين لها سببا. وإذ يتأكد الإحساس ويشتد حضوره في الذهن، أكتشف أنني كنت بصدد ترشف أولى قطرات الشاي الذي خالطه ما تسرب إليه من ليمون.
وإذا صوت أمي يطرق مسمعي:
أين كنت يا بني؟
فلا أجد في خاطري إلا أن أتوجه أليها سائلا: ذكريني يا أمي بالقائل « أن الفلاحين يحسنون فهم كلام الطبيعة».
- إنه ادونيس، أنسيته؟ وإنهم ليحسنون التحاور معها.


اللغة تفضح المسكوت عنه 4

 «مزوّر /ذيب»

هكذا يقول أهالي تونس عن الشخص الذي يريدون وصفه بالذكاء . فلقد أثبتت خبرتهم أن كثيرين يستعملون طاقاتهم الذهنية لتزوير الحقائق، واغتصاب حقوق الغير فما هم إلا ذئاب كاسرة في لباس حملان وديعة .فوجب الحذر من كل صنوف التزوير للحقائق ، ولإرادة الشعب حالا واستقبالا. فلا مجال للسماح للذئاب المتوحشة من بقايا العهد المباد والإنتهازيين الجدد لسرقة ثورة الشعب .. ثورة الياسمين ، أو لتزييف الإنتخابات لاحقا.

اللغة تفضح المسكوت عنه 3

«البلاد اتخذت»

عندما تكون الأوضاع متردية ، والمصائب نازلة، وكل شيء فيها منذرا بالخطر، أو معلنا وقوع كارثة، وفي حال وقوعها أيضا ... يقول أهالي تونس عندئذ: إنها (الأمور، أو البلاد، أو الوضعية والحال) "اتخذت"
وواضح أننا إزاء فعل "أخذ" مبنيا للمجهول.
فالمكاسب، والحقوق، والأملاك الحسية أو المعنوية بحسب الحال قد انتهكت، وعبثت بها أيادي خفية أو معلومة دون أن يكون للشخص القدرة على حماية حقوقه، أو وضع حد للمأساة.
ويثور هنا سؤال: لماذا وقع تخير صيغة المبني للمجهول؟ هل هو تعبير عن الحيرة إزاء المأساة والواقع البائس ؟
أم هو تعبير عن عجز عن تفسير ما حدث ؟
أم هو تعبير عن قلة الشجاعة الأدبية للإشارة لمن أساء للذات بإصبع الاتهام وتحميله مسؤولياته: عجزا، أو خوفا، أو جبنا أو ..؟
أم إننا إزاء ضمير مستتر تقديره طرف معلوم من الجميع فلا تبقى حاجة للتصريح.
وبالتالي فنحن إزاء اعتماد لأسلوب التقية، والتحاليل على بطش الباطشين؟
وعلى كل حال فليس في هذا التعبير من دلالة جنسية كما ذهبت إلى ذلك أحلام مستغانمي في روايتها الأولى "ذاكرة الجسد" إلا أن نرى في مطلق الفعل والأخذ هنا مجرد مثال له إحالة على الفعل الجنسي اعتمادا على ما هو رائج في العنف اللفظي من اعتماد التعابير الجنسية تعابير بديلة عن كل ما فيه دلالة على الفاعلية الاجتماعية، من قبل أشخاص مسكونين بالإحساس المر بالإخصاء الاجتماعي ، فيحاولون إرضاء الذات المنجرحة بإحلال الفحولة الجنسية محل الفاعلية الاجتماعية التي يفتقدون القدر الكبير منها,.[تكتب أحلام على لسان بطل روايتها " توقف سمعي عند ذلك التعبير الذي لم أسمعه منذ عدة سنوات "البلاد متخذة" والذي يعني أن المدينة قائمة قاعدة ،، أو تشهد حدثا استثنائيا والذي هو في الواقع تعبير جنسي محض. ابتسموا إن اكتشفت مرة أخرى قدرة هذه المدينة على زج الصور الجنسية في كل شيء،، وذلك ببراءة مدهشة رفعت عيني نحوه وقلت له بشيء من السخرية المرّة: هكه هي الجزائر يا حسان. البعض يصلي .. والبعض يسكر والآخرون أثناء ذلك "تأخذوا في البلاد"" [ص 345 منشورات أحلام مستغانمي بيروت 2003 ط 19]
فهل أن جماهير شعبنا التي صنعت النصر ستسمح للفلول المتبقية من مليشيات التجمع أن تعيث في الأرض فسادا ، والقول بكل عجز "البلاد اتخذت" ؟

اللغة تفضح المسكوت عنه 2

 «رأسه كاسح/رأسه صحيح»

سبق للصنم الذي هوى أن قال في لقاء له مع صحافيين معلقا على الإنتقادات الموجهة لحكمه والمتعلقة بالإنتهاكات لحقوق الإنسان، إنه ورث عن الطاغية الذي قبله «صحة الرأس» وأن «رأسه كاسح » في دلالة على عناده ، إذ من عادة أهالي تونس أن يصفوا العنيد بكونه صحيح الرأس وفي ذلك دلالة على عدم استعداده لتقبل الرأي الآخر ، زاعما أن رأيه صحيح لا يحتمل الخطأ.
رافضا أن تطرق أذنيه كلمة الإمام الشافعي المدوية منذ قرون «رأيي صواب يحتمل الخطأ،ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب».
ومن كان هذا شأنه لن يكون إلا معتمدا كل ما يمت بصلة للإقصاء والتهميش ، ولن يقبل بوجود من يخالفه الرأي ولن يتأخر في اعتماد المنهجي الفرعوني «إن هؤلاءلشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حذرون» الشعراء 54-56 وهكذا تفتح أبواب السجون للأحرار والشرفاء من الناس، ولكل من أصر على أن يكون له رأي غير الذي ارتأه الحاكم بأمره، هذا الذي لن يحيط نفسه إلا بالإنتهازيين والمتزلفين والمثقفين المأجورين المسبحين بحمده من جهة والمزيفين للوعي من جهة أخرى مكررين مرة أخرى اللعبة القذرة لسحرة فرعون الذين « سحروا أعين الناس واسترهبوهم » الأعراف 116
أما "كسوحية الرأس " فتفضح جوانب أخرى من شخصية العنيد الذي يصفه أهالي تونس بأنه كاسح الرأس ويتداولون عن ذلك عديد الطرائف،،
وليس هذا التعبير بجديد، ولا هو خاص بهم، ولكنه يحتاج منا إلى وقفة، إذ أنه تعبير ملغوم:
فهو في الوقت الذي يبدو في ظاهره دالا على القوة، فإن في باطنه دلالة على الضعف "فالعرب ينعتون الرجل اللجوج العنيد بأنه رأس كاسح .ولسنا ندري أهو وصف للقوة التي فيه كما يقال عن آلات ثقب الصخور وأدوات حفر الإنفاق هي الكاسحات؟ أم هو دلالة على منتهى الخلل كالعاهة التي تطرأ على عظام الأرجل فتصبح بها هشة قابلة للكسر حتى تلتوي كالأقواس، فإذا انتهت بصاحبها إلى تعطل وظائف الوقوف والمشي قيل عنه أنه كسيح"[عبد السلام المسدي: الأدب العجيب مؤسسات بن عبد الله تونس 2000 ص 139-14

اللغة تفضح المسكوت عنه 1

«كأني ماكل طريحة» (كأنه تعرّض لضرب مبرح طرحه أرضا)

هكذا يعرّف الكثير من المرضى أطباءهم بالحالة التي هم عليها عند إصابتهم بأمراض جرثومية في الجهاز التنفسي العلوي وخصوصا في حالة النزلة الوافدة grippe ، حيث يشعر المريض بآلام تطال كل الجسم تقريبا، وخصوصا في مستوى المفاصل والعضلات،،

وعندما يقع اعتماد تشبيه ما لتعريف شيء مجهول (حالة الألم في هذه الحالة courbature ) فإنما القصد منها جعل المستمع يتخيل بالضبط حالة المتكلم (المريض في حالتنا هذه ) ويكاد يعايشها ، وربما استدعى ذلك تعاطفاsympathie مع صاحبها بحسب الحالة والسياق.

ولكن عملية التشبيه تفترض ابتداء اشتراكا بين المتكلم والمستمع في معرفة المشبه به، حتى يتسنى للمتلقي معرفة شبيهه،،، وإذا ما استحضرنا هذه البديهية في عملية التشبيه، أدركنا كم عانى الإنسان التونسي من مختلف الفئات والطبقات من التعنيف والضرب المبرح حتى صارت «الطريحة و الطرايح (جمع) » قاسما مشتركا بين التونسيين، بدء من الوسط العائلي، وصولا إلى تعنيف من طرف مختلف الأدوات القمعية داخل المجتمع،،

فهل سيأتي يوم على التونسيين يكون فيه من القواسم المشتركة بينهم الأمن من الخوف والطعام المتكامل لكل فم، والتآلف الذي لا يترك مكانا للاستهانة بالكرامة الإنسانية، ولا للتعدي على الحرمة الجسدية، ولا لسفك العرق الشريف، أو مصادرة لقمة العيش؟؟؟ !!!.

وتتردد في الأرجاء وصية الخليفة الراشد الأول لعماله : «لا تضربوا أبشار الناس فتذلوهم، ولا تجوعوهم فتكفروهم».

فهل سنشهد بأم أعيننا اليوم الذي تكون فيه هذه الأمور وأمثالها موضوع تشبيه بينهم؟

لكم الله يا أهالي تونس

الله القائل في الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرما بينكم محرما فلا تظالموا» مسلم –والبخاري في الرقاق(6419)

وهل يمكن أن يكون لكم التوفيق الإلهي في نجح مقاصدكم وبلوغ مآربكم بدون الكدح وفق سنن الله في هذا المجال، والتي عبر عنها الرسول الكريم –ص- بقوله: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم» رواه الترمذي (2169) و قال حديث حسن وأحمد (5/388-389) .

وهذا الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه يخاطب من وراء القرون المستسلمين للعجز وبطلان النفس ، والمتذرعين بأفهام خاطئة لبعض نصوص الوحي مثل قوله تعالى «يا أيها الذين أمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم »المائدة 105 إذ يقول : «إني سمعت رسول الله –ص- يقول : إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا بيديه أوشكوا أن يعمهم الله بعقاب منه » أبو داود (4338) الترمذي (2168) ابن ماجة (4005) بأسانيد صحيحة .

فذلك من الهداية .

هذه ومضة يمكن أن تساعد على فهم الواقع واستشراف آفاق تطوره من خلال مدخل لغوي نفسي اجتماعي... فالتعابير الدارجة موغلة في الدلالة.

فهل هناك من يفهم؟

شهادة ملغومة

وسائل الإعلام : دوائر غربية واسرائلية وعربية تحذر من صعود الإسلاميين في تونس
هذه شهادة لحركة النهضة ... ولكنها شهادة ملغومة
ما معنى أن تحذر هذه الدوائر من بروز نجم حركة النهضة ؟ هل لذلك من معاني أخرى غير :
1- أن النهضة تمثل الصد المنيع ضد التبعية للدوائر الغربية ،، وأنها الأكثر أمانة لمصالح الشعب ضد مختلف أشكال التغريب والعمالة
2- أن الصهاينة يخشون من أن تعود نصرة القضية الفلسطينية إلى واجهة الإهتمامات التونسية نظاما وشعبا ،، وأنه سيقع تقليم مخالب الموسلد وعملاء الكيان الصهيوني
3- إن غالبية الأنظمة العربية تخشى من أن تدعم النهضة بروز نموذج مجتمعي يعترف بالإختلاف والتنوع ويدير ذلك دون عنف أو اقصاء، وفيه من الحراك السياسي ما يجعل بقية الشعوب العربية تستلهمه، وهو ما يمثل شهادة صارخة على بؤس الديكتاتوريات العربية وضحاياها من الشعوب
فهل هناك أفضل من شهادة كهذه يضطر خصوم الأمة للإعتراف بها؟ فهنيئا إلى النهضة بذلك ولكن هذه الشهادة مشحونة بالتحريض عليها :
تحريض بقايا التجمع على اعاقةإستعادة حركة النهضة لوجودها الطبيعي ( كيانا وأفرادا و
مشاريع عمل
تحريض خصوم الحركة ومنافسيها على الإلتقاء مع أطلال التجمع في تحالف بائس وعدواني اقصائي
فلكم الله بقدر اقتحامكم للعقبات والتحامكم بالجماهير ووفائكم لهوية الأمة ومضارعها

حوار مع أصدقائي أعداء الهوية العربية الإسلامية لتونس

لماذا هذا التنادي لمعاداة الخيار الإسلامي ممثلا في رمزه الشيخ راشد الغنوشي وحركة النهضة؟
 من أين لكم المعلومات التي على أساسها بنى كل واحد منكم موقفه ؟ إذا ما وضعنا في الاعتبار أن هذا الصوت الإسلامي كان مقموعا ومقصيا طوال حكم الطاغية بن علي ، فمعنى ذلك أنكم إنما اعتمدتم على الصورة التي شكلها الإعلام المعادي للحركة الإسلامية :
 أفأنتم ألعوبة بيد البوليس السياسي والتجمع الفاسدين والمعاديين للحريات.؟
 أم أنتم ضحايا تزييف الوعي الذي قامت وتقوم به فلول اليسار الإستئصالي المتحالفين مع أعداء الحرية دفاعا عن بعض المكاسب الانتهازية، وإيقانا منهم أنهم لا يمثلون شيئا ذا بال داخل الشعب وفي مرحلة الديمقراطية؟
ألم يتساءل كل واحد منكم عن فزع الدوائر الاستعمارية (الغرب ) والصهيونية (إسرائيل ) والديكتاتوريات العربية (الأنظمة العربية ) من بروز التيار الإسلامي ؟
 هل يفعل كل أولئك ما يفعلونه إلا خدمة لمصالحهم المناقضة كليا لمصلحة هذا الشعب ؟ هل تراكم زبانية هذه الجهات الباغية الظالمة عن وعي منكم أو بدونه ؟!!!!!
 أم أنكم أعداء ما تجهلون وضحايا التخويف المنظم ؟
 ألم تروا ما يمكن أن يقدمه الإسلاميون الوسطيون لشعوبهم وللأمة من خلال التجربتين التركية والماليزية حيث يحظى الشيخ راشد الغنوشي بالكثير من الاحترام والتقدير من قبل النخب هناك ؟
    من منكم قد قرأ بعض كتابات الشيخ راشد وبعض مفكري حركة النهضة مثل : "حق المواطنة "، و" الحريات في الإسلام " "المرأة في القرآن وواقع المسلمين " ... للشيخ راشد ، أو أطروحة الدكتوراه التي قدمها الدكتور عزام التميمي رئيس مركز الفكر السياسي بلندن تحت عنوان " راشد الغنوشي ديمقراطيا بين الإسلاميين" هذا إلى جانب عديد المداخلات المصورة في عديد القنوات ...
 ومثل "الإشكال الجنسي في الواقع المعاصر" و "فلسفة الزي الإسلامي " و "مقاربة إسلامية للاستلاب النسائي " ... للدكتور أحمد الأبيض ...الخ .؟
 أليس من مصلحة الجميع أن يتواجد مناخ للحوار والصراع الفكري بدلا من التنافي ؟ أليس في ذلك إثراء للحوار ودفعا للتقارب بين عناصر القوة في مختلف الأطروحات ؟
 أم أن منطق الإقصاء والإلغاء للعهد الديكتاتوري قد سكن لدى البعض حتى النخاع ؟ من المؤكد أن حركة النهضة واضحة في التأكيد على استعدادها للتحاور والتعاون مع كل الصادقين في توطين الحرية في هذه البلاد، وفي جعلها الشعب حكما فيصلا بين الفرقاء.
 وإذا كان البعض متأثرا بشريط يدعي الوثائقية أنجزته الداخلية التونسية مع قناة العربية سنة 2006، فإننا نذكر هذا البعض بحقيقة هذه القناة وأي جهة تقف معها في صراع شعوب منطقتنا من أجل التحرر والإنعتاق، هذا فضلا عن أن الشيخ راشد قد قاضاها وربح القضية حيث حكمت له المحكمة بتعويض مادي قدره 165 ألف جنيه . فهل بعد حكم القضاء المستقل من قول لجاهل أو منافق أو مزايد؟!!!!!
 أليس مقرفا حقا أن يزعم البعض أنهم أنصار للمرأة ومكاسبها والحال أنهم ناصروا حكم الطاغية طوال ما يزيد عن عقدين من الزمان الذي كان من شعاراته "إشاعة الميوعة والتشجيع على التحلل من الدين " (أحد ركائز خطة التجمع للتصدي للحركة الإسلامية ) وما سمعنا لهم ركزا إزاء هيمنة "حاكمة قرطاج " (عنوان الكتاب الصادر بالفرنسية عن ليلى بن علي)، في الوقت الذي كانت فيه حركة النهضة تؤكد على فاعلية المرأة وعلى أن "النساء شقائق الرجال " كما جاء في الحديث النبوي ، وعلى أن كل سجن للمرأة في حدود جغرافية جسدها ما هو إلا امتهان واستلاب بغيض لها ، وتستنهض همم النساء للتحرر من ارث الإنحطاط والتغريب على حد سواء ... واوغلت السلطة في الغي الفرار إذ عملت كل ما في وسعها لمنع نساء المد الإسلامي من حقهن المقدس في طلب العلم وفي الشغل وناصرها في ذلك منافقوا اليوم و "إذا لم تستح فأفعل ما شئت".
 أما الحداثة فهي حدثان وليست واحدة، ولمن يتوهم خلاف ذلك أن يقلب بصره بين مختلف الدول والحضارات .والخلاف الحقيقي في هذه البلاد ليس بين الحداثة ونقيضها ، وإنما هو بين نموذج هجين للحداثة قائم على اغتراب الذات في حاضر الآخر (الغرب) وبعيد عن كل فعل ابداعي على طريقة المعامل المسلمة بمفاتيحها clés en main وبين نموذج للحداثة ينطلق من هوية الأمة يتميز بالأصالةoriginalité والتجذر والإنفتاح على كل جديد متناغم مع الثوابت كما جاء في الحديث النبوي المؤكد على ديمومة التجدد وعلى مبدئية صناع الحياة " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "
 ونذكر أدعياء الديمقراطية أن هذه الأخيرة هي في نهاية التحليل الفلسفي لها "الاعتراف بوجود الأخر المغاير للذات " وإذا ما أراد هؤلاء فرض تصوراتهم ورؤاهم على مخالفيهم فإنما يثبتون لا ديمقراطيتهم. والحكم الفيصل في تقديم أطروحة تعايش اجتماعي على ما سواها إنما هو خيار الشعب الذي تفصح عنه نتائج صناديق الاقتراع على اعتبار أن الديمقراطية هي حكم الشعب. وما نظن أن شعب تونس المسلم يقبل أن تنتزع منه هويته ويلغى إسلامه. وإذا ما كان للبعض أفهام للإسلام فليعرضوها على الناس ، أم تراهم لا يثقون في أنفسهم وفي قدرتهم على إقناع الناس بالتزاميتهم مقابل الإسلاميين الذين هم مغروسون في عمق هذا الشعب.
 أنا متأكد أن الكثيرين ممن سيقرؤون هذا الكلام سيجدون أنفسهم مدعوين لإعادة التفكير في مواقفهم ، وللبحث ولمحاولة التعرف من قريب على حركة النهضة وفكرها بعيدا عن التشويه وعن نموذج طالبان. ولا أشك في أن الكثيرين سيجدون حقيقة أنفسهم داخل حركة النهضة أو قريبا منها.
 وإذا كان البعض الأخر ملحدين أصلا فهذا خيارهم ، والأولى بهم أن يكونوا صادقين مع أنفسهم ومع الناس ويعلنوا موقفهم ذلك صراحة ولا يتخفوا وراء دعاوي كاذبة في معاداة الحركة الإسلامية . أم تراهم لا يملكون الشجاعة لإثبات انبتاتهم عن الشعب التونسي المتجذر في إسلامه ؟ ومع ذلك فحركة النهضة لا تنكر عليهم الحق في أن يكونوا ما شاؤوا،،،، ونهمس في أذان هؤلاء أن العلم قد حسم أمره في تأكيد تجذر الإيمان بالله في الطبيعة البشرية ( راجع الملف الذي قدمته مجلة science et vie حول الموضوع ) هذا إلى جانب الإلتقاء الكامل بين ما توصلت له العلوم الصحيحة والنصوص الإسلامية (راجع كتابات ومحاضرات الدكاترة البشير التركي أول تونسي ينال شهادة دكتوراه الدولة في الفيزياء النووية 1959 ،المنصف بن سالم دكتوراه دولة في كل من الرياضيات والفيزياء النظرية .. ، زغلول النجار دكتوراه دولة في الجيولوجيا ...).
 أما مقولة أن الدين أفيون الشعوب لكارل ماركس فقد عفى عنها الزمن ، وجاء الفيلسوف الفرنسي اليساري رجيس دي بريه بمقولة بديلة عنها نتيجة استقراء للتاريخ مفادها أن الدين هو فيتامين الشعوب الثائرة والناهضة .
 أهلا بكم أصدقاء وأحبة .
 ملاحظة : سبق للدكتور مصطفى محمود أن أصدر كتابا بعنوان "حوار مع صديقي الملحد" بعد أن كان قد بدأ حياته الفكرية بكتاب يعلن فيه كفره، وكان العلمانيون الإستئصاليون الذين وقفوا مساندين ثقافيا لحكم الطاغية بن علي قد أعلنوا الحرب عاى بث البرنامج المميز للدكتور مصطفى محمود "العلم والإيمان".